فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في الجرح:
وهو كلّ أَثرٍ دامٍ في الجلد.
جَرَحه جَرْحًا فهو جريح مجروح.
وسمّى القَدْح في الشاهد جَرْحًا تشبيهًا به.
وتسمّى الصّائدة من الفهود والكلاب جارحة، والجمع جوارح: إِمّا لأَنها تَجْرح، وإِمّا لأَنَّها تكسِب.
وسمّى الأَعضاء جوارح لأَحد هذين.
والاجتراح: اكتساب الإِثم.
وأَصله من الجِرَاحة؛ كما أَنَّ الاقتراف من قرف القَرْحة.
وورد الجرح في القرآن على معنيين:
الأَوّل: الجَرْح بمعنى الكسب {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} أَى الكواسب.
الثانى: بمعنى الجراحة {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} قال الشاعر:
رميتكِ من حكم القضاءِ بنظرة ** ومالى عن حكم القضاءِ مَنَاصُ

فلمّا جَرحْتُ الخَدّ منكِ بنظرة ** جَرحتِ فؤادى والجروح قصاص

.قال الفخر:

{فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} الضمير في قوله: {لَهُ} يحتمل أن يكون عائدًا إلى العافي أو إلى المعفو عنه، أما الأول فالتقدير أن المجروح أو ولي المقتول إذا عفا كان ذلك كفارة له، أي للعافي ويتأكد هذا بقوله تعالى في آية القصاص في سورة البقرة: {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى} [البقرة: 237] ويقرب منه قوله صلى الله عليه وسلم: «أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته تصدق بعرضه على الناس» وروى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تصدق من جسده بشيء كفر الله تعالى عنه بقدره من ذنوبه» وهذا قول أكثر المفسرين.
والقول الثاني: أن الضمير في قوله: {فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} عائد إلى القاتل والجارح، يعني أن المجنى عليه إذا عفا عن الجاني صار ذلك العفو كفارة للجاني، يعني لا يؤاخذه الله تعالى بعد ذلك العفو، وأما المجنى عليه الذي عفا فأجره على الله تعالى. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَمَن تَصَدَّقَ} أي من المستحقين للقصاص {بِهِ} أي بالقصاص أي فمن عفا عنه، والتعبير عن ذلك بالتصدق للمبالغة في الترغيب {فَهُوَ} أي التصدق المذكور {كَفَّارَةٌ لَّهُ} للمتصدق كما أخرجه ابن أبي شيبة عن الشعبي وعليه أكثر المفسرين، وأخرج الديلمي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ الآية فقال: «هو الرجل يكسر سنه أو يجرح من جسده فيعفو فيحط عنه من خطاياه بقدر ما عفا عنه من جسده، إن كان نصف الدية فنصف خطاياه، وإن كان ربع الدية فربع خطاياه، وإن كان ثلث الدية فثلث خطاياه، وإن كان الدية كلها فخطاياه كلها».
وأخرج سعيد بن منصور وغيره عن عدي بن ثابت أن رجلًا هتم فم رجل على عهد معاوية رضي الله تعالى عنه فأعطي دية فأبى إلا أن يقتص فأعطى ديتين فأبى فأعطى ثلاثًا فحدث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: «من تصدق بدم فما دونه فهو كفارة له من يوم ولد إلى يوم يموت» وقيل: الضمير عائد إلى الجاني، وإلى ذلك ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما أخرجه عنه ابن جرير ومجاهد وجابر فيما أخرجه عنهما ابن أبي شيبة، ومعنى كون ذلك كفارة له على هذا التقدير أنه يسقط به ما لزمه ويتعين عليه أن يكون خبر المبتدأ مجموع الشرط والجزاء حيث لم يكن العائد إلا في الشرط، وإليه ذهب العلامة الثاني، وقيل: إن في الجزاء عائدًا أيضًا باعتبار أن هو بمعنى تصدقه فيشتمل بحسب المعنى على ضمير المبتدأ، فالتعين ليس بمسلم، وقال بعضهم: إنه يحتمل أن يكون معنى الآية أن كل من تصدق واعترف بما يجب عليه من القصاص، وانقاد له فهو كفارة لما جناه من الذنب، ويلائمه كل الملاءمة قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون} فضمير {لَهُ} حينئذ عائد إلى المتصدق مرادًا به الجاني نفسه، وفيه بعد ظاهر، وقرأ أبيّ {فهو كفارته له}، فالضمير المرفوع حينئذ للمتصدق لا للتصدق، وكذا الضميران المجروران والإضافة للاختصاص واللام مؤكدة لذلك، أي فالمتصدق كفارته التي يستحقها بالتصدق له لا ينقص منها شيء لأن بعض الشيء لا يكون ذلك الشيء، وهو تعظيم لما فعل حيث جعل مقتضيًا للاستحقاق اللائق من غير نقصان، وفيه ترغيب في العفو، والآية نزلت كما قال غير واحد لما اصطلح اليهود على أن لا يقتلوا الشريف بالوضيع والرجل بالمرأة، فلم ينصفوا المظلوم من الظالم، وعن السيد السند أن القصاص كان في شريعتهم متعينًا عليهم فيكون التصدق مما زيد في شريعتنا، وقال الضحاك: لم يجعل في التوراة دية في نفس ولا جرح، وإنما كان العفو أو القصاص وهو الذي يقتضيه ظاهر الآية. اهـ.

.قال الطبري:

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: عني به: {فمن تصدّق به فهو كفارة له}، المجروحَ فلأن تكون «الهاء» في قوله: {له} عائدةً على «مَنْ»، أولى من أن تكون مِنْ ذِكْر من لم يجر له ذكر إلا بالمعنى دون التصريح، وأحرَى، إذ الصدقة هي المكفِّرة ذنبَ صاحبها دون المتصدَّق عليه في سائر الصدقات غير هذه، فالواجب أن يكون سبيلُ هذه سبيلَ غيرها من الصدَّقات.
فإن ظنّ ظانّ أن القِصاصَ إذْ كان يكفّر ذنب صاحبه المقتصّ منه الذي أتاه في قتل من قتله ظلمًا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذ أخذ البيعة على أصحابه «أن لا تقتلوا ولا تزنُوا ولا تسرقوا» ثم قال: «فمن فَعَل من ذلك شيئًا فأقيم عليه حدُّه فهو كفارته» فالواجب أن يكونَ عفوُ العافي المجنيِّ عليه، أو ولي المقتول عنه نظيرَه، في أن ذلك له كفارة. فإن ذلك لو وجب أن يكون كذلك، لوجب أن يكون عفوُ المقذوفِ عن قاذفه بالزنا، وتركِه أخذه بالواجب له من الحدِّ، وقد قذفه قاذِفُه وهو عفيفٌ مسلم مُحْصَن، كفَّارةً للقاذف من ذنبه الذي ركبه، ومعصيته التي أتاها. وذلك ما لا نعلم قائلا من أهل العلم يقوله.
فإذْ كان غير جائز أن يكون تركُ المقذوف الذي وصفنا أمره أخذَ قاذفه بالواجب له من الحدّ كفارةً للقاذف من ذنبه الذي ركبه، كان كذلك غير جائز أن يكون ترك المجروح أخذَ الجارح بحقِّه من القصاص، كفَّارةً للجارح من ذنبه الذي ركبه.
فإن قال قائل: أو ليس للمجروح عندك أخْذُ جارحه بدية جرحه مكانَ القِصاص؟
قيل له: بلى!
فإن قال: أفرأيت لو اختار الدّية ثم عفا عنها، أكانت له قِبَله في الآخرة تَبِعةٌ؟
قيل له: هذا كلام عندنا محالٌ. وذلك أنه لا يكون عندنا مختارًا لديةٍ إلا وهو لها آخذٌ. فأما العفو فإنما هو عفو عن الدم وقد دللنا على صحة ذلك في موضع غيرِ هذا، بما أغنى عن تكريره في هذا الموضع إلا أن يكون مرادًا بذلك هِبتُها لمن أخذت منه بعد الأخذ. مع أن عفوه عن الدية بعد اختياره إياها لو صَحَّ، لم يكن في صحة ذلك ما يوجب أن يكون المعفوُّ له عنها بريئًا من عقوبة ذنبه عند الله؛ لأن الله تعالى ذكره أوعد قاتلَ المؤمن بما أوعده به إن لم يتُبْ من ذنبه، والدية مأخوذة منه، أحبَّ أم سخط. والتوبة من التَائب إنما تكون توبةً إذا اختارها وأرادَها وآثرها على الإصرار.
فإن ظنّ ظانّ أن ذلك وإن كان كذلك، فقد يجب أن يكون له كفارةً، كما كان القصاص له كفارة، فإنَّا إنما جعلنا القِصاص له كفارة مع ندمه وبَذْله نفسَه لأخذ الحق منها تنصُّلا من ذنبه، بخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما الدية إذا اختارها المجروحُ ثم عفا عنها، فلم يُقْض عليه بحدّ ذنبه، فيكون ممن دخل في حكم النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: «فمن أقيم عليه الحد فهو كفارته». ثم مما يؤكد صحة ما قلنا في ذلك، الأخبارُ التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: «فمن تصدّق بدمٍ»، وما أشبه ذلك من الأخبار التي قد ذكرناها قبل.
وقد يجوز أن يكون القائلون إنه عنى بذلك الجارحَ، أرادوا المعنى الذي ذُكر عن عروة بن الزبير الذي:
حدثني به الحارث بن محمد قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: إذا أصاب رجل رجلا ولا يعلم المُصاب من أصابه، فاعترف له المصيب، فهو كفارة للمُصيب. قال: وكان مجاهد يقول عند هذا: أصاب عروة ابن الزبير عينَ إنسان عند الركن فيما يستلمون، فقال له: يا هذا، أنا عروة بن الزبير، فإن كان بعينك بأس فأنَا بها!
وإذا كان الأمر من الجارح على نحو ما كان من عروة من خطأ فعلٍ على غير عمدٍ، ثم اعترف للذي أصابه بما أصابه، فعفا له المصاب بذلك عن حقِّه قبله، فلا تبعة له حينئذٍ قَبِل المُصيب في الدنيا ولا في الآخرة. لأن الذي كان وجب له قبله مالٌ لا قِصاص، وقد أبرأه منه: فإبراؤه منه، كفَّارة للمبرَّأ من حقه الذي كان له أخذه به، فلا طَلِبة له بسبب ذلك قِبَله في الدنيا ولا في الآخرة، ولا عقوبة تلزمه بها بما كان منه إلى من أصابه، لأنه لم يتعمد إصابته بما أصابه به، فيكون بفعله آثمًا يستحق به العقوبة من ربه، لأن الله عز وجل قد وضع الجُناح عن عباده فيما أخطأوا فيه ولم يتعمّدوه من أفعالهم، فقال في كتابه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}. [سورة الأحزاب: 5].
و«التصدق»، في هذا الموضع، بالدم، العفو عنه. اهـ.

.قال الفخر:

{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون}.
فيه سؤال، وهو أنه تعالى قال أولًا: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون} [المائدة: 44] وثانيًا: {هُمُ الظالمون} والكفر أعظم من الظلم، فلما ذكر أعظم التهديدات أولًا، فأي فائدة في ذكر الأخف بعده؟
وجوابه: أن الكفر من حيث أنه إنكار لنعمة المولى وجحود لها فهو كفر، ومن حيث إنه يقتضي إبقاء النفس في العقاب الدائم الشديد فهو ظلم على النفس، ففي الآية الأولى ذكر الله ما يتعلق بتقصيره في حق الخالق سبحانه، وفي هذه الآية ذكر ما يتعلق بالتقصير في حق نفسه. اهـ.

.قال في البحر المديد:

القصاص مشروع وهو من حقوق النفس؛ لأنها تطلبه تشفيًا وغيظًا، والعفو مطلوب ومرغب فيه، وهو من حقوق الله، هو طالبه منك، وأين ما تطلبه لنفسك مما هو طالبه منك؟ ومن شأن الصوفية الأخذ بالعزائم، واتباع أحسن المذاهب، قال تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزُّمَر: 18]، ومن شأنهم أيضًا: الغيبة عن حظوظ النفس، ولذلك قالوا: «الصوفي دمه هدر، وماله مباح»، وقالو أيضًا: «الصوفي كالأرض، يُحرح عليها كل قبيح، وهي تُنبت كلَّ مليح»، ومن أوكد الأمور عندهم عدم الانتصار لأنفسهم. وبالله التوفيق. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في العين:
وهى وردت في القرآن العزيز وفى كلام العرب لمعان كثيرة تنيف على خمسين معنى، أَسُوقُها مرتَّبة على حروف الهجاءِ.
ا- أهل البلد، أهل الدار، الإِصابة بالعَيْن، الإِصابة في العين، الإِنسان، ومنه قولهم: ما بالدّار عين أى أحد.
ب- الباصرة، بلدٌ بهُذيل.
ج- الجاسوس، الجَرَيان، الجلدة التي يقع فيها البندق.
ح- حَاسّة البصر، الحاضر من كلِّ شيء، حقيقةُ القِبلة.
خ- خيار الشئ.
د- دوائر دقيقة على الجِلْدِ، الدَّيْدَبان، الدّينار.